تُعد الدورة المائية في الطبيعة الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، إذ تُحدِث تقلبات درجات الحرارة اضطراباً في معدلَي التبخر وهطول الأمطار والثلوج، ومدى تغذية الخزانات الجوفية والسطحية بالمياه من المصادر المتنوعة؛ ولذا تساعد دراسة المياه في حالاتها الفيزيائية المختلفة -سائلة في حالة الماء، أو صلبة في حالة الثلج- على ترسيم التاريخ المناخي في مراحله عبر الزمن، ومن ثَم التنبؤ بتأثيرات التغير المناخي المستقبلي في دورة المياه والموارد المائية الطبيعية.
ونظراً إلى أن الماء يتكون أساساً من الهيدروجين والأكسجين، فإن دراسة النظائر غير المشعة «المستقرة» فيهما توفر نتائج في غاية الدقة والوضوح عن تاريخ الغلاف الجوي، وما صاحبه من تغيرات مناخية أثرت في المياه تأثيراً مباشراً.
ويتيح تحليل عينات المياه الجوفية والمطرية، وعينات الجليد السرمدي العميق، فَهْم التاريخ القديم للتغير المناخي في منطقة ما، ومن ثَمَّ محاولة بناء نموذج للتنبؤ بالتغيرات المناخية المستقبلية، وآثارها المحتملة في موارد المياه الطبيعية.
ومن النماذج البسيطة الممكن استخدامها نموذج بناء خط المياه العذبة المحلي، الذي يمكن إنشاؤه باستخدام قِيم المتغيرات في النظائر المستقرة في عنصري الهيدروجين والأكسجين، إذ يكون الناتج علاقة خطية تبين مقدار التوازن الكيميائي بينهما، وفي حال اختلال هذا التوازن يتعيَّن حساب الفارق لمعرفة السبب الذي قد يتمثل في عدد من العوامل، مثل زيادة معدل التبخر، أو تبخر مياه الأمطار في الغلاف الجوي قبل وصولها إلى سطح الأرض بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وغير ذلك من التغيرات المناخية.
وتُعاد عملية بناء خط المياه العذبة المحلي بين مدة وأخرى عبر إعادة جمع عينات المياه، وتحليلها لنظائر الهيدروجين والأكسجين لمتابعة التغيرات التي يُحدِثها التغير المناخي الحالي في موارد المياه، ذلك أن الفوارق بين خطوط المياه العذبة المحلية للمنطقة نفسها تدعم الجانب المعرفي الزمني في التغير المناخي، وتكشف عن مسببات التغيرات الكيميائية في المياه من الناحية المناخية، وأيضاً من ناحية تنوع المصادر المغذية لخزانات المياه.
وقد أُنشئ أول خط مياه عذبة عالمي في عام 1961 عبر جمع عدد من عينات المياه حول العالم، وكان ذلك على يد العالم الجيوكيميائي هارمون كرايغ. وتُعد خطوط المياه العذبة المحلية مرجعاً مناخيّاً زمنيّاً لكل منطقة، ومفتاحاً لفَهْم التغيرات المناخية عبر دراسة المياه.
ولا يقتصر دور العناصر المستقرة للهيدروجين والأكسجين على دراسة تاريخ التغير المناخي، والتنبؤ به، بل يمتد إلى مساعدة الباحثين على التعرف إلى مصدر أو مصادر المياه الجوفية، ومسارات تدفقها، ومدى تأثير ذلك في جودة المياه. وقد جرى ربط هذه الدراسات بنماذج المناطق الجغرافية المناخية المختلفة، بما يسمى حالياً «تصنيف كوبن للمناخ»، الذي كان الهدف من تطويره خدمة التطبيقات المختلفة في مجالات المناخ وموارد المياه والزراعة، ولذا تُعد دراسة النظائر المستقرة غير المشعة أمراً ضرورياً لبناء نموذج مناخي متكامل، يتيح وضع الاستراتيجيات الخاصة بالأمن المائي والغذائي.

*أستاذ مشارك في قسم علوم الأرض - مدير المركز الوطني للمياه والطاقة- جامعة الإمارات العربية المتحدة